الأحد، 6 سبتمبر 2009

دور الأسرة في تنمية مواهب الطفل وإبداعاته


الطهراوي: تلعب الأسرة دورا كبير في تشجيع الطفل على تنمية مواهبه
الرزي: السنوات الخمس الأولى المكون الرئيس لشخصية الطفل
فلسطين المحتلة ـ غسان الشامي:
الموهبة والإبداع عطيَّة الله تعالى لجُلِّ الناس، وبِذرةٌ كامنةٌ مودعة في الأعماق؛ تنمو وتثمرُ أو تذبل وتموت، كلٌّ حسب بيئته الثقافية ووسطه الاجتماعي. وتعد الأسرة المسؤولة الأولى عن تنمية المواهب الإبداعية عند الطفل، وهي مسألة تقع ضمن مهام الأمهات والآباء في آن واحد، ولكن هذه العملية تحتاج إلى نوع من امتلاك الفراسة الممكنة للوصول إليها واكتشافها وبالتالي الاهتمام بها وتنميتها, ويعد وقت الفراغ هو الوقت الأكبر لدى الطفل والذي يمارس فيه هوايته ومواهبه المحببة فكيف تتعامل الأسرة مع مواهب الطفل؟ وما هو الدور المنوط بها تجاه الطفل؟
هذه التساؤلات وغيرها نحاول الإجابة عليها من خلال هذا التقرير.. دراسة حديثة
وفقاً لأحدث الدراسات تبيَّن أن نسبة المبدعين الموهوبين من الأطفال من سن الولادة إلى السنة الخامسة من أعمارهم نحو 90%، وعندما يصل الأطفال إلى سن السابعة تنخفض نسبة المبدعين منهم إلى 10%، وما إن يصلوا إلى السنة الثامنة حتى تصير النسبة 2% فقط. مما يشير إلى أن أنظمةَ التعليم والأعرافَ الاجتماعيةَ تعمل عملها في إجهاض المواهب وطمس معالمها، مع أنها كانت قادرةً على الحفاظ عليها، بل تطويرها وتنميتها. طفلتي صديقتي
تقول أم محمد (35 عاما) ـ وهي أم لخمسة أطفال ـ إن لديها طفلة تحب كتابة الشعر والقصائد وإنها تشعر أنها صديقة لابنتها حيث إن ابنتها تقرأ لها الشعر وللأسرة عندما تكون الأسرة مجتمعة. وتقول: أقدم النصيحة والرأي لها فيما تقوله وأعمل دوما على تشجيعها وحثها على الاستمرار في الكتابة، بل وأجلب لها القصص والكتب التي تنفعها في ذلك وتعمل على تنمية قدراتها ومواهبها الكتابية.
وتنصح أم محمد الأهل والأمهات بمتابعة أطفالهم وأن يكونوا الآذان الصاغية لهم وأن يشجعوهم على القيام بمختلف نشاطاتهم وهوايتهم.. مضيعة للوقت
بينما تقول نادية (30 عاما) إن لديها طفلا يبلغ من العمر ست سنوات، يحب ممارسة الرسم وليس رسما عاديا ولكنها لا تحب أن تراه يرسم لان الرسم من كوجهة نظرها الخاصة هو مضيعة للوقت وبما أنه متفوق يجب أن يكون وقته مخلد فقط للدراسة والحفظ.
الطفل أحمد (11عاما) تابعناه وهو يمارس هوايته المفضلة في إحدى المكتبات الخاصة بالأطفال وقال: إنني يوميا أحرص على الذهاب إلى المكتبة ومطالعة القصص، بل والكتابة في الشعر من خلال مطالعتي للقصص، وإن مدرسيي في المدرسة يشجعونني على المطالعة والقراءة بما أنني مجتهد ودوما يشجعونني على الذهاب للأمسيات الثقافية والمنتديات واللقاءات... تأثير سالب
وعند تجولنا في أحد شوارع مدينة غزة وجدنا "حسام" (14 عاما) ورفاقه يتجمعون ليذهبوا إلى أحد الملاعب القريبة من مساكنهم ليمارسوا هوايتهم المفضلة وهي لعبة كرة القدم، اقتربنا منهم وسألنهم حول هذه الهواية فقالوا إنهم ينتظرون وقت ممارستها بشغف وأنها المتنفس الوحيد لديهم حيث يجدون بها الراحة النفسية.
ولكن لعبة كرة القدم في وجهة نظر أحد الآباء ربما تؤثر سلبا على مستوى الأطفال التعليمي، فهم مولعون جدا بها، وبمجرد انتهاء يومهم الدراسي يجهزون أنفسهم للذهاب إلى ملعب دون تخطيط أو ترتيب من قبلهم وهذا يرجع بالتأثير السالب على حياتهم الدراسية كونهم في بدء حياتهم التعليمية.. الطفل الفلسطيني
ربما الحياة التي يحياها الطفل الفلسطيني تختلف عن غيره من أطفال العالم الذين يمارسون هوايتهم المفضلة ويعملون على تنمية مواهبهم وقدراتهم في ظروف عادية، بينما الطفل الفلسطيني يحيا ظروفا غير عادية من قصف وتدمير وتخريب لمراكز وأماكن الترفيه له، فعند سؤالهم عن كيفية حياتهم في ظروف القصف والتدمير والتخريب يقولون: مواهبنا أصبحت: كيف نقارع الاحتلال ونواجهه ونساعد أهلينا في معاناة حياتهم اليومية. فحسب إحصائيات المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان لعام 2003 فقد استشهد114 طفلا علاوة على الأسرى والجرحى والمصابين.
لهذا فإن الطفل الفلسطيني يعاني معاناة شديدة من وطأة الاحتلال الذي يعمل على قتل مواهبه ووأدها في مهدها. موهبة من الله
وحول هذا الموضوع كان لنا لقاء مع أ."جميل الطهراوي" ـ رئيس قسم الخدمة الاجتماعية في الجامعة الإسلامية بغزة ـ قال إن الهواية تعني ميل الإنسان إلى موضوع معين يجد في نفسه الرغبة فيه، وهي موهبة من الله سبحانه وتعالى، ولكن هذه الموهبة تنمى وتصقل بالتدريب والمران.
وأضاف أن البيئة والمجتمع لهما الدور الكبير في الكشف عن مواهب وهوايات الطفل، من خلال ملاحظتهما له ومتابعته، ونحن بدورنا يجن ألا نغفل الظروف البيئية المحيطة فهي لها تأثير على الطفل بشكل كبير، وخاصة عندما يرى أباه يمارس لعبة معينة أو فنا معينا فهو قد يقلده وتصبح له هواية... دور الأسرة
وتحدث الطهراوي عن تجربة خاصة عندما كان طفلا فهو يعشق الرسم والخط، فكان يجد تشجيعا من أسرته على الاستمرار في هذه الهواية إلى أن أصبح ماهرا بها..
وحول دور الأسرة تجاه تنمية هوايات الطفل ومواهبه يقول: أولا: الكشف عن هذه المواهب والقدرات وذلك من خلال الملاحظة والمتابعة، فالبيئة غنية بالمثيرات التي قد تكتشف مواهب الطفل وإبداعاته, أيضا يقع على عاتق الأسرة توفير الأجواء الملائمة والإمكانيات المناسبة لهذا الطفل، والعمل باستمرار على تشجيعه لممارسة هذه الهواية ولو بشكل معنوي. ثم يقع على عاتق الأسرة التعزيز وهو عبارة عن مكافأة الطفل حتى يكرر ممارسة هوايته ويتشجع.
ناصحا الأسرة بأن تتيح للطفل ممارسة هواياته ومواهبه دون إعاقة أو أية ضغوطات قد تؤثر على نشاطه وتنعكس عليه سلبا.
وأضاف الطهراوي أننا يجب ألا ننسى دور الأبوين في تنمية مواهب الطفل وهواياته فعندما يجد الطفل منهما الاعتزاز والتقدير فإنه يتشجع على ممارسة هوايته المفضلة، ولكن يجب أن يكون هذا الدور في حدود المتاح.
وفي السياق ذاته تحدثت لنا الدكتورة "مي نايف" ـ الناشطة المجتمعية حول دور الأسرة في تنمية مواهب وهوايات الطفل وتطويرها ـ حيث أكدت أن للأسرة دورا كبيرا في تنميه هذه الهوايات والمواهب والمحافظة عليها ومتابعتها وتحبيبها للطفل، مشيرة إلى أنه يجب أن يكون هناك جلسة شبه أسبوعية لكافة أفراد الأسرة لمناقشة المواهب والهوايات عند الأبناء وكيفية تطويرها. دور البيئة
تؤثر البيئة التي يعيش فيها الطفل تأثيرا مباشرا في تنمية مواهبه واكتشاف طاقاته، فالبيئة المتنوعة الأنشطة تعمل على توسيع مداركه. وإذا لم تكن كذلك تضمر وتخبو مواهبه.
وحول دور البيئة في تنمية مواهب الطفل قالت الدكتورة مي نايف إن البيئة لها دور كبير في هوايات ومواهب الأطفال فالبيئة في فلسطين تختلف عن البيئة في أي بلد آخر فالطفل عند يشعر بالعنف البيئي جراء ما يشاهده وما يسمع به من قصف وتدمير وقتل من قبل قوات الاحتلال فلاشك أن مثل هذا الشيء يترك أثر في نفسية الطفل وأيضا شعارات الجدران والرسومات لها تأثير فضلا عن قلة أماكن الترفيه عندنا وصعوبة الأوضاع، خاصة في أيام الاجتياحات ومنع التجوال والحواجز من قبل جنود الاحتلال، كل هذا له آثاره السالبة على الأطفال وعلى ممارسة هوايتهم المفضلة.
وألقت الدكتورة مي نايف اللوم على بعض الأسر التي كانت تقف موقف سالبا تجاه ممارسة أحد أبنائها لهوايته، وخاصة البنات، وذكرت لنا حالات لبنات في سن الرابعة عشر هوايتهن كتابة الشعر ولكنهن وجدن إحباطا من قبل الأهل وعدم تشجيع لممارسة هوايتهن. انعكاس لشخصيته
يبين الطهراوي أن الهواية التي يمارسها الطفل ويتفوق بها هي انعكاس لشخصيته وانعكاس لما يشعر به، ويكون نوعا من الإعلاء عند الكبار؛ لكي ينال إعجاب الآخرين وتقديرهم واعتزاز به، مشيرا إلى أن أجمل شيء في هذه الحياة أن يدرس الإنسان ما هو موهوب فيه.
وطالب الطهرواي كافة مؤسسات المجتمع وشرائحه بالبحث عن الأطفال أصحاب الهوايات الخاصة وأصحاب المواهب والفكر الإبداعي، وأن تعكف على الاهتمام بهم وتقديم لهم الدعم المادي والمعنوي، وبذلك نستطيع أن ننمي مهاراتهم وقدراتهم الإبداعية. أهمية كبرى
ويقول "عماد الرزي" ـ منسق خدمات المكتبة بمركز القطان للطفل ـ إن السنوات الخمس الأولى تعتبر ذات أهمية كبرى في حياة الطفل حيث تصقل شخصيته في شتى أنواع المعارف والعلوم، ويتعلم في هذه المرحلة مجموعة كبيرة من العادات والتقاليد، فهي تشكل 85% من معارف الطفل وإبداعاته، مشيرا إلى دور الأهل الأساسي والذي يمكن أن يطور اتجاه الإبداع عند الطفل..
وأضاف الرزي أن الأكثر الهوايات محببة لدى الأطفال هي هوايات اللعب، وهو يعتبر ضروريا جدا وليس مضيعة للوقت كما يعتقد الآخرون، فاللعب عبارة عن مهارة مركبة تحتوي في طياتها على الأداء الحركي والأداء الذهني والأداء الاجتماعي حيث يجتمع الطفل مع أقرانه وأصدقائه. تأثير الأصدقاء
وحول تأثير الأصدقاء على هوايات الطفل وتنمية هذه الهوايات وصقلها قال إن للأصدقاء تأثيرا على هذه الهوايات والمواهب، وتجعل هناك تفاعلا من قبل الطفل مع غيره، ولكن قبل الأصدقاء هناك الإخوة في البيت، والذين هم بمثابة القدوة له، ثم بعد الإخوة تأتي مرحلة الأصدقاء والتي يكون لها تأثير على سلوكيات الطفل ومهارته إما سلبا أو إيجابا.
من هنا نقول إن تنمية مواهب وهوايات الطفل يقع بالأساس على الأسرة بالدرجة الأولى في متابعة الأطفال وتشجيعهم على الاستمرار في ممارسه هوايتهم..
وأن المواهب هي هبة ربانية من الله سبحانه وتعالى يمنحها لمن يشاء من خلقه، ولكن هذه المواهب تحتاج إلى من يرعاها ويحافظ عليها؛ حتى تجني للإنسان والمجتمع الذي يعيش فيه الخير، وهو الدور الأساسي المنوط بالأسرة منذ اكتشاف الموهبة عند أحد أبنائها.