الأربعاء، 7 أكتوبر 2009

الخوف عند الطفل

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الخوف حالة انفعاليَّة يحسُّها كل إنسان بل كل حيّ ، وكل خبرة وجدانية مخيفة يصادفها الإنسان في طفولته قد يستعيدها - لا شعورياً - في كِبَره ، وقد يسقط مشاعره على المواقف والخبرات المشابهة فيخاف منها .

هناك شبه إجماع بين علماء النفس على أن الأصوات العالية الفجائية أهمُّ المثيرات الأولى للخوف في الطفولة المبكرة .

ففي عمر الثانية حتى الخامسة يفزع الطفل من الأماكن الغريبة ، ومن الوقوع من مكان مرتفع ، ومن الغرباء ، ويخاف من الحيوانات والطيور التي لم يألفها .

ويخاف تكرار الخبرات المؤلمة التي مَرَّ بها كالعلاج الطبي ، أو عملية جراحيَّة ، كما يخاف منه الكبار حوله لأنه يقلِّدهم .

ويظهر انفعال الخوف عند الطفل في صورة فزع تبدو على وجهه ، وقد يكون مصحوباً بالصرع ، ثم يتطور إلى الهرب المصحوب برعشة ، وتغيُّرات في خلجات الوجه ، وكلام متقطِّع .

أنواع الخوف :
المخاوف الأكثر شيوعاً بين الأطفال هي مخاوف محسوسة وحقيقية يلمسها الآباء في أطفالهم بسهولة لأنهم يعبِّرون عنها بوضوح .

ومن هذه المخاوف الخوف من الشرطي ، والطبيب ، والمدرسة ، والحيوانات ، والظلام ، وطلقات المدفع ، والبرق ، والأماكن العالية ، وحوض السباحة ، والبحر ، والنار ، والثعابين والحشرات .

وهناك من الأطفال من يخاف من السفر في قطار ، أو باخرة لأول مرة ، ومنهم من يخاف من الزحام والمرض ، والصعود إلى أماكن مرتفعة ، وإلى غير ذلك من المخاوف .

الخوف بين السلب والإيجاب :
انعدام الخوف في طفل ما قد يكون نادراً للغاية ، وهو يرجع عادة إلى قِلَّة إدراكه كما هو الحال في ضعاف العقول ، الذين لا يدركون مواقف الخطر أو الضرر ، فقد يمسك البالغ ضعيف العقل ثعباناً ، أو يضع يده في مكان يصيبه بضرر لعدم تقديره لخطورة مثل هذه المواقف .

كما أنَّ الطفل الصغير رغم ذكائه قد يُقدم على الثعبان ، ظنّاً منه أنه لعبة يمكنه أن يتسلَّى بها ، غير مدرك الضرر الذي قد يلحقه منه ، لكن هذا الطفل يستجيب باتِّصال الخوف للمواقف نفسها في سنِّ الخامسة أو السادسة .

وكثيراً من الآباء والأمهات من يستنكف أن يشعر أبناؤهم بالخوف ، خشية أن يشبَّ على هذه العادة ، فهؤلاء الآباء غير الواقعيين ينظرون إلى مخاوف الأطفال كأنها قصور في إدراك الطفل ، وبذلك يقمعون انفعالات الخوف التي تظهر على أبنائهم اعتقاداً منهم أن ذلك كفيل باستئصالها .

وإن هذا الأسلوب يزيد مخاوف الأطفال ويعقِّد شخصياتهم ، وهؤلاء الآباء والأمَّهات عاجزون عن فهم نفسية الطفل ومشاعره ومخاوفه الطبيعية ، وقد نسوا أنهم مرُّوا بالانفعالات نفسها في طفولتهم .

وقد يلجأ بعض الآباء والأمهات لعلاج خوف الطفل بالسخريَّة منه ، أو إثارة ضحك أفراد الأسرة عليه بسبب مخاوفه ، وقد يتخذ الأخوة هذه المخاوف وسيله للتسلية والضحك على حساب مشاعر الطفل المسكين .

بل قد يلجئون إلى تخويفه بما يخاف منه ، فيعقِّدون بذلك شخصيته ، كما تسوء علاقته بوالديه وبأفراد أسرته .

وقد يلجأ بعض الآباء والأمهات والمربُّون إلى تخويف الطفل لدفعه لعمل معين ، أو لمنعه من عمل معين ، أو إلزامه بالسكوت ، أو مذاكرة دروسه .

وكثيراً ما يقال للطفل في الحضانة أنه سيوضع في حجرة الفئران ، أو أن الغول سيخطفه ، أو القطط ستأكله ، وإلى غير ذلك من الأقوال الشائعة لضمان هدوئه .

وبعض الآباء والأمَّهات ينزع إلى فرض سلطته المطلقة على أطفاله ، فيخيفهم بالطبيب ، أو بالمدرِّس في المدرسة ، أو بالشغل .

وبعض الأمهات يلجأن إلى تخويف الطفل لينام في ساعة محددة ، فيهدِّدونه بالغولة ، أو بالعفريت ، وينسى هذا البعض أن ذلك يجعل الطفل يميل إلى الانطواء حول الذات ويجبر مخاوفه في مرارة وضيق .

فتربية الآباء والأمهات لتعليمهم أساليب التربية وفنونها ينبغي أن تسبق تربية الأبناء ، إذ يجب أن يعرفوا الخصائص النفسيَّة لكلِّ مرحلة من مراحل أبنائهم ، وسبل التعامل معهم في كل مرحلة .

واجهي مخاوف صغيرك :
أشْبِعِي حاجة طفلك من الدفء والمحبة ليشعر بالأمن والطمأنينة ، وامزجي ذلك بدرجة معقولة ومرنة من الحزم .

فإن صادف طفلك ما يُخيفه أو يزعجه فلا تساعديه نسيانه ، فالنسيان يدفن المخاوف في النفس ، ثم يصبح مصدراً للقلق والاضطراب ، ولكن أوضحي الأمور لطفلك ، واشبعي فضوله ، وطَمْئنِيه دون أن تخدعيه .

ونمِّي روح الاستقلال والاعتماد على النفس في طفلك كلما أمكن ، دون أن تخدعيه .

ووفِّري له المحيط العائلي الهادئ الذي يشبع حاجاته النفسية ، لأنّ الاضطراب العائلي يُزعزع ثقة الطفل بنفسه .

واحرصي على أن يكون سلوك المحيطين بطفلك متَّزناً ، خالياً من الهلع والفزع في أي موقف من المواقف ، وخصوصاً إذا مرض الطفل أو أصابه مكروه .

وساعديه على مواجهة المواقف التي ارتبطت في ذهنه بانفعال الخوف ، كالخوف من القطط أو الكلاب أو الماء بتشجيعه ، دون زجره أو نقده .

وقدِّمي له الحقائق وأكِّدي له أنَّه لا خطورة في الموقف ، إلى أن يقتنع ويسلك السلوك السويَّ بدافع نفسه ، واعتماداً على ثقته بالأب والأم ومَن حوله من الأهل .

واستعملي الخوف البنَّاء في تغذية إيمان طفلك بالله ، وتنمية شخصيته ، وتعويده احترام النظام ، فأبعدي طفلك عن مُثيرات الخوف ، كالمآتم ، والقصص المُخيفة عن الغولة والجن والعفاريت .

ويمكننا الحكم على درجة خوف الطفل بمقارنة مخاوفه بمخاوف أغلب الأطفال في سنِّه ، فالطفل في الثالثة من عمره إذا خاف من الظلام وطلب أن تضيء له المكان ، فربَّما كان ذلك في حدود الخوف المعقول ، أما إذا أبدى فزعاً شديداً من الظلام وفقد اتِّزانه ، فلا شَكَّ أن خوفه مبالغ فيه .

فالخوف الطبيعي المعقول مفيد لسلامة الفرد أيّاً كان سِنَّه ، أما الخوف المبالغ فيه فهو يضر بشخصية الفرد وسلوكه .
اقرأ المزيد »

الاثنين، 14 سبتمبر 2009

حدود البراءة!

http://i.aksalser.com/u090218/950590100.JPG
ما الذي يدفع الطفل لكي يعبر حدود براءته ويقطع شوطاً بعيداً في عالم الجريمة؟.. ومتى يمكن ان يعتبر الاطفال مسؤولين عن اخطائهم او عن جرائمهم؟.. وما الطريقة التي يجب ان يعامل بها الاطفال بعد ان ينفذوا عقوبة ارتكابهم لجرائمهم؟..

هذه الاسئلة تمثل المحاور الاساسية للقضية التي تشغل بال المجتمعات والحكومات، وهي قضية العنف عند الاطفال، كما تمثل هذه الاسئلة جوهر رواية «عبور الحدود» للكاتبة بات باركر.

تحكي رواية «عبور الحدود» قصة طفل في العاشرة من عمره يدعى داني ميلر تتم ادانته بقتل سيدة مسنة دون سبب مفهوم أو مبرر واضح، ويعرض الطفل على الطبيب النفسي توم سيمور الذي يقرر ان الطفل مسؤول مسؤولية كاملة عما اقترفت يداه ومن ثم يجب محاكمته كشخص ناضج.
بعد ثلاثة عشر عاما تم اخلاء سبيل داني من السجن بعد ان امضى فترة العقوبة، لكن الاقدار يكون لها دور في تقرير مصير داني الذي يقدم على الانتحار غرقاً، فالطبيب النفسي الذي ساهم تقريره الطبي في توقيع عقوبة السجن على داني كان يمر بالمصادفة بالقرب من شاطئ البحر وينجح في انقاذه من الغرق.
اثناء حديثهما معا عبر داني للطبيب توم عن رغبته في ان يفسر له الغموض الذي يكتنف الدافع الذي دفعه الى ارتكاب جريمته، وعلى الرغم من ان الطبيب النفسي توم يدرك اجادة داني للكذب الا انه في اعماقه كان لا يشعر بالارتياح الى النتائج التي وضعها في تقريره للمحكمة وادت الى محاكمة داني وتوقيع العقوبة عليه.
كان من رأى الطبيب النفسي توم انه يدين لداني بالتفسير الذي يريده منه والخاص بالدافع الذي دفعه الى ارتكاب جريمته، لكن توم الذي لم يستطع ان يقدم تفسيراً مقنعاً لداني حول دوافع ارتكاب الجريمة شعر بأن الله أرسل داني اليه لكي يعوضه عن حياة الاسرة الممزقة ولان داني في حاجة ماسة الى معاونته على التكيف مع الحياة خارج السجن.. كذلك لم يستطع توم مقاومة الشعور بانه اصبح مسؤولاً عن داني.
وبعد تفكير طويل توصل توم الى ان سلوكيات وتصرفات الفرد في بعض الاحيان تخرج عن نطاق العقل، ودلل على ذلك بانه هو شخصيا عندما كان في سن الطفولة كاد يقتل شخصا، وسأل توم نفسه عما اذا كان الذي حدث معه وهو طفل هو الشيء نفسه الذي حدث لداني ام ان شيئا اكثر غموضاً اكتنف ارتكاب داني لجريمته.
الاهتمام الاساسي الذي شغل بال الروائية بات باركر في رواية «عبور الحدود» هو الطفل الذي يقدم على ارتكاب جريمة قتل والمستقبل الذي ينتظره، وما اذا كانت احداث الطفولة تظل تطارده في حياته بعد ذلك، وهذا الموضوع هو نفسه الذي تناولته الكاتبة في روايتها السابقة «عالم آخر».. وربما هو نفس المبدأ القائل ان الماضي لا يموت.
اقرأ المزيد »